رستم جودي
1- للأمم مقاييس واضحة في إظهار مدى تعلقها بالحرية وإصرارها على الحياة بشكل حر وكريم، وتأتي على رأس تلك المقاييس مقدار التضحيات التي قدمتها لانتزاع أو صيانة حريتها؛ أو بعبارة أخرى عدد الذين ضحوا بدمائهم في ساحات الوغى لتوفير الحرية والأمان للباقين. والشهادة في هذا الإطار تعني الموت في سبيل الأهداف السامية، ومهما حاول المدافعون عن النظام القديم أن يطلقوا على خسائرهم بالأرواح تسمية الشهداء، إلا أنها تبقى مفتقرة إلى معناها الحقيقي، لأن الشهادة كانت وما تزال تعبيرا عن التضحية بالروح في طريق التحرر والإنعتاق، من أجل بناء الجديد وهدم القديم البائد. مصطلح خاص بالنضال الذي خاضته وما تزال تخوضه الشعوب والطبقات الاجتماعية المظلومة ضد عروش الظلم والاستبداد، وعلى ضوء هذه الرؤية نجد أن الكثير من المقولات والمفاهيم التي احتلت أماكن مقدسة في تاريخ الشعوب لم تصمد أمام قوة التغيير واختلاف ظروف الزمان والمكان، فمهما بلغت قدسية بعض الأشياء في وقت ما من تاريخ الشعوب، نجدها مجبرة على التأثر بعامل الزمن، حيث لم تعد الشعوب التي أحرزت شوطا آخر من التقدم والرقي تعيرها نفس الاهتمام وتكن لها نفس الاحترام. إلا الشهادة التي تزداد قدسية وسموا بازدياد مستوى الوعي الاجتماعي والإنساني لدى الشعوب؛ فكلما أدركت المجموعات البشرية أن الحياة لا تملك أي قيمة إلا إذا اقترنت بالحرية والمساواة كلما ازدادت حبا واحتراما لأولئك الذين دفعوا ضريبة الدم في سبيلها. فالشهداء هم بالنسبة لنا الماضي القريب ومصدر قدرتنا على الحياة في الحاضر وقوة الدفع الأساسية التي توجهنا دون خوف نحو المستقبل الزاهي.
للشهداء مكانة خاصة وعالية في حركتنا، فهم قادتنا المعنويين؛ البوصلة التي تدل مسيرتنا إلى الطريق الصحيح، سلسلة متواصلة من النضال والمقاومة يستحيل على أي قوة مهما بلغ جبروتها النيل من حلقاتها، نستلهم منهم روح الفداء والشجاعة لأنهم ضحوا بكل شيء في سبيل القضية الكبرى دون أن يفكروا ولو للحظة بأنفسهم، نجد فيهم مصدر إيماننا الثابت بالنصر لأننا ندرك تماما أن مسيرة تتقدمها قوافل الشهداء سوف لن تقبل بأقل من النصر.
تعد فلسفة حياة الشهيد بالنسبة لقادة وكوادر حركتنا، المرآة الكبيرة التي نتعرف من خلالها على أنفسنا ونجد فيها درجة تمثيلنا للخصائص النضالية، لأن حياة الشهيد هي المؤشر الأكثر وضوحا وكمالا لمقاييس الثورة والنضال. من هذا المنطلق فإنه مهما تكن الصعاب لا نجد أمامنا خيارا آخر غير النضال لأن قادتنا قالوا الكلمة الأخيرة ولم يكتفوا بالقول بل ضحوا بحياتهم في سبيل تطبيق تلك الكلمة وبالتالي لا تراجع. والمهمة الأساسية لنا تكمن في حماية وتطوير القيم التي خلقها شهداؤنا، فالبسمة المرسومة على شفاه الأطفال والأمل المرسوم في وجوه العجائز بعد أحقاب اليأس الطويلة، استعادة شعبنا للحياة وكل ما نتمتع به من قيم مادية و معنوية هي على الإطلاق من صنع الشهداء. منهم بدأنا المسير ومن ذكراهم نستمد ضمان الاستمرار والنصر، ولم يتبقى لنا إلا السير بخطى واثقة في الطريق الذي فتحوه بدمائهم والحفاظ على الميراث الذي تركوه كما نحفظ ماء عيوننا، أن نوفر كل مستلزمات أن تبقى رايات النضال التي سلموها لنا مرفوعة وشامخة شموخ جبال الوطن. فعلى صخرة روابطنا الوثيقة بالشهداء تتحطم كل المؤامرات التي تستهدف قائدنا وشعبنا ووحدة حركتنا، هذه الوحدة التي صاغها شهداؤنا على أساس الارتباط بالحزب والقائد وقضايا الشعوب بعهود شرف وقعت بالدم لا تراجع فيها ليظهر بشكل اتحاد قوي متراص ومتجانس ووحدة روحية صادقة بعيدة كل البعد عن أي عامل مادي يعكر صفو هذا الاتحاد. وبالتالي فإننا حين نحيي ذكرى الشهداء في عيدهم نجد من ذلك في نفس الوقت مناسبة لتجديد العهد أمام ذكراهم؛ عهد شرف على الاستمرار بالنضال حتى النصر مهما بلغت التضحيات.
2- استشهاد الرفيق حقي قرار في 18أيار عام 1977 كان من أخطر وأهم الأحداث التي واجهتها حركتنا قبل أن تعلن عن نفسها على شكل حزب سياسي، حادثة هزت من الأعماق كل أعضاء ومؤيدي الحركة الناشئة. من الناحية العملية كانت المواجهة الأولى بين حركة الحرية والجبهة المعادية بكل مكوناتها. الحادثة كانت عبارة عن مؤامرة استهدفت ضرب الحركة في الدماغ وقطع الطريق أمام تحولها إلى قوة عملية. كان عملا مدروسا تم تخطيطه من قبل الأجهزة الاستخباراتية التابعة للعدو، مهما بدت أسماء مرتكبي الجريمة مختلفة. فالرفيق كان من قادة الحركة الأكثر نشاطا والأقرب إلى القائد آبو، بالإضافة إلى أن انتماؤه القومي التركي كان يزيد مخاوف الأعداء. فلأول مرة وبعيدا عن مواقف الإنكار والرفض الشوفينية، ظهر وبوضوح من خلال مشاركة الرفيق في مركز النضال من أجل حرية الشعب الكردستاني، التضامن الأممي والوحدة النضالية على أساس الاحترام المتبادل بين الشعوب الكردستانية والتركية. إن مسيرة “ثوار كردستان” في تلك الفترة كانت أشبه بمحاولة عبور حقل من الألغام دون تجربة مسبقة، ويبدو أن حادثة استشهاد الرفيق حقي قرار كانت بمثابة انفجار اللغم الأول وبالتالي كان لابد من الإجابة على سؤال: ما العمل بعد ذلك..؟
كانت الحادثة عبارة عن رسائل واضحة مفادها أن من يحاول الاستمرار في هذا الطريق سوف يتعرض إلى المصير ذاته، كانت عملية إرهابية تهدف النيل من إرادة الآخرين. وهنا لا بد أن نعرف أن الأمور لم تكن بهذه السهولة التي نشاهدها الآن، حيث يتم اليوم الاعتراف بالهوية القومية الكردية من قبل الأعداء والأصدقاء ويظهر الناس انتمائهم القومي دون خوف وهناك الكثير من المواقع المتقدمة التي يستمر من خلالها النضال والعديد من المؤسسات الوطنية التي تقوم بالعمل السياسي والاجتماعي والإعلامي والثقافي وغيرها داخل وخارج كردستان، وإن تناول كل ذلك بشكل سطحي يؤدي إلى الوقوع في متاهات الخطأ في تقييم ظروف البداية. فناهيك عن وجود مواقع متقدمة، كان مفهوم العدم هو المسيطر. شعبنا كانت تثقل كاهله بقايا ماض مليء بالهزائم والانكسارات، غاصٌ في أوحال التخلف والفقر لا يعير أية أهمية لقضايا الاستقلال والحرية، وعدو يتخذ من أساليب القمع والإبادة مبررا لوجوده، وقوانين سنت على أساس حقائق مزيفة ترفض الاعتراف بوجود شعبنا وكانت بمثابة الأيديولوجية الرسمية للنظام في تركيا التي لا تقبل النقاش. من الواضح أن رفض هذا الواقع كان يتطلب جرأة أسطورية تتجاوز أمثلة ” البطولة” التي نعثر عليها في صفحات تاريخ الإنسانية الغابرة. إن مسيرة “ثوار كردستان” كانت تعبر بشكل واضح عن تلك الجرأة، والسلاح كان قوة الشباب والإيمان بقضايا تحرر الشعوب ومن الواضح أيضا أن قادتنا الأوائل قد تمكنوا من استخدام هذا السلاح بإبداع وتفانٍ من الصعب العثور على أمثلة لها في التاريخ.
استشهاد الرفيق حقي قرار وضع الحركة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما التراجع والاستسلام أو قبول التحدي والاستمرار بالنضال بعد توفير مستلزمات ذلك من كافة النواحي على ضوء المستجدات التي جاءت بها حادثة الشهادة. إن تمتع حركتنا بقوة قيادية عظيمة متمثلة بشخصية القائد آبو وأعضاء مؤمنون بقضايا تحرر الشعوب ويظهرون لذلك أسمى آيات التضحية ونكران الذات، جعلتها لا تتردد في قبول التحدي والاستمرار من خلال السلوك الأكثر ثورية مهما بلغت الصعاب. لقد أدرك القائد أن الارتباط بذكرى الشهداء لا يمر فقط من خلال البكاء والحزن وإقامة مراسيم الحداد، بل إن الأهم من ذلك هو تأمين قوة إحياء الأهداف التي قضوا دونها حياتهم وذلك من خلال أنسب أساليب ووسائل النضال.
استمر النضال وازداد عدد الشهداء وازدادت بالتالي المواقع التي اكتسبتها الثورة، وقد تم تتويج هذه الفترة البطولية من تاريخ حركتنا بالإعلان الرسمي عن تأسيس حزب العمال الكردستاني PKK في 27تشرين الثاني عام 1978. وتأسيس الحزب كان أهم حدث في تاريخ شعبنا المعاصر، لأنه كان عبارة عن استحواذه على أنجع وسائل النضال لاسترجاع حقوقه المسلوبة. الحزب كان المكسب الذي أهل شعبنا ليأخذ مكانه باحترام بين الشعوب المكافحة الأخرى ويسترجع ثقته المفقودة بذاته.
نلاحظ أن تأسيس الحزب لم يكن نتيجة اجتماع مجموعة من الناس في مكان معين وضمن ظروف مهيأة قاموا باتخاذ قرار بهذا الشأن، فالأمر بالنسبة لحركتنا يختلف كثيرا. لأن الإعلان عن الحزب جاء بعد نضال مرير وقاسٍ وفي ظروف عدم تكافؤ شديد إلى حد التطرف في موازين القوى، تم خلالها خوض الكثير من المعارك مع مختلف مؤسسات النظام الاستعماري الرسمية أو الغير رسمية، واستشهد فيها العديد من الرفاق. وقد ظهر حزبنا على المسرح السياسي والعملي منذ يومه الأول على شكل قوة تمرست في النضال وخلق من خلال المواقف الفدائية العظيمة أسباب وعوامل وجوده في ظروف افتقار الواقع الكردستاني لهذه العوامل، وإن الشهداء والارتباط بذكراهم كانوا أهم مرتكزات هذه الانطلاقة. ظروف النشأة هذه تجعلنا أكثر ثقة بالمستقبل لأننا تمكنا من صنع الحياة من الموت في أحلك وأصعب الظروف.
3- العدو وبهدف تصفية حركتنا يستخدم الكثير من الوسائل ولا يرى نفسه مجبرا على مراعاة القوانين والأعراف الدولية أو الإنسانية حتى ولا في إطار الحدود الدنيا. وفي الوقت الذي يستنفذ كافة الأساليب ويستهلك معظم طاقاته التي يعتقد أنه قادر من خلالها على توجيه الضربة القاضية إلى الحركة، يفاجئ رغم كل ذلك بأن الحركة مازالت قادرة على الحياة وتعرف كيف تجمع قواها وتستعد لخوض شوط جديد من النضال. إن أساليب التعذيب التي مورست ضد رفاقنا في السجون وخاصة سجن ديار بكر بعد الانقلاب الفاشي في تركيا الذي وقع في 12 أيلول عام 1980، قد تجاوزت ببطشها كلما كان يعرف عن ذلك سابقا. فقد أبى القادة العسكريون في تركيا أن يتخلفوا في هذا المجال عن الغستابو والسافاك والموساد وحتى عن ممارسات قياصرة روما وابتكروا أساليب من التعذيب لم تخطر حتى ذلك الوقت ببال الطبقات الحاكمة التي سبقتهم، وكل ذلك بهدف فرض الاستسلام على طليعة شعبنا. من الناحية النظرية قد تبدو إمكانات المقاومة في هذه الظروف معدومة، لكن الأمر بالنسبة لمناضلي حزبنا مختلف تماما. فالهدف بالنسبة لهم هو أن تبقى الراية مرفوعة ولا بد لذلك القيام بكل ما يجب القيام به، وهو ابتكار أساليب من المقاومة تعجز آلة بطش النظام الفاشي من السيطرة عليها وهكذا تمكنت شعارات “المقاومة حياة” والتي اقترنت بأعمال بطولية خارقة وبأسماء خالدة حفرت في قلوب وأدمغة الملايين من أبناء شعبنا، من تحطيم جدران الظلم وإفشال محاولات فرض الاستسلام على المناضلين حتى في غياهب الزنزانات.
إن العملية الاستشهادية التي نفذها الكوادر المتقدمون في حزبنا؛ الرفاق فرهاد وأشرف ومحمود ونجمي في أيار عام 1982 والتي تلت العمل الاستشهادي البطولي الذي نفذه الرفيق مظلوم دوغان عضو اللجنة المركزية في الحزب في نوروز عام 1982 وكذلك سلسلة الشهادة التي جاءت بعدهم، أثبتت أن المناضلين المؤمنين بقضاياهم قادرين دائما على امتلاك الإمكانات والقدرات اللازمة للسير نحو أهدافهم مهما بدت قوى المستبدين وما يتمتعون به من إمكانات مادية. هذه المقاومة زادت الميراث النضالي الثوري لحركتنا غنى ووفرت للمناضلين فرصة استرجاع الثقة بالذات وبالمقاومة مهما بلغت درجات بطش العدو، وأظهرت إمكانية انتصار المقاومة على الاستسلام والأهم من كل ذلك شكلت أهم حلقات التواصل النضالي، فلولا تلك المقاومة لما تمكنت حركتنا من الاستمرار في النضال عبر وسائل الكفاح المسلح الذي بدأ بشكل منظم مع سماع دوي أولى الطلقات في أروه وشمدينان في 15آب عام 1984، لقد فك قائدنا وبشكل صحيح رموز الرسالة التي جاءت من سجن ديار بكر وأدرك أن الإجابة لابد وأن تكون من خلال تطوير العمل الأنصاري في جبال كردستان، اتخاذ مثل هذا القرار كان من جهة شجاعة تاريخية تحلى بها قائدنا وحزبنا على الدوام وكان إجابة للنداءات التي وجهها الرفاق في السجون من خلال عملياتهم الاستشهادية بالإضافة إلى أنه كان تعبيرا عن ديالكتيك ترابط الخط النضالي في حزبنا. ومرة أخرى نجد أن قرارات حزبنا العملية تستند بالدرجة الأولى إلى القيام بالواجب الذي يمليه الارتباط بالشهداء.
أما بالنسبة للرفاق محمد قره سنكور وإبراهيم بلكين فقد صدم الحزب بتلقي نبأ استشهادهما بتاريخ 3 أيار عام 1983 في جبال قنديل جنوب الوطن، حيث كانت المعارك حامية بين قوات الاتحاد الوطني الكردستاني من جهة والتحالف الذي كان يسمى بجبهة “جود” والذي كان يجمع الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي وآخرين من جهة أخرى، وقد حاول الرفاق التدخل لإيقاف ذاك الاقتتال الذي كان يضر بقضية شعبنا إلى أبعد الحدود، لكن قوات الاتحاد الوطني الكردستاني رغم معرفتها التامة أنهم لا ينتمون إلى الطرف الآخر ويهدفون إلى التوسط لإيقاف المعارك، رغم ذلك أقدمت تلك القوات على ارتكاب الجريمة. وقد أكد شهود عيان ممن عايشوا تلك الأحداث بأنهم حذروا قوات الاتحاد على انهم قادمون على قتل أناس لا علاقة لهم بهذه المعارك بل يهدفون لإيقافها، ومع ذلك أصروا على القيام بذلك العمل الإجرامي. بالطبع هناك أيضا حادثة استشهاد رفاق آخرين في منطقة هيزل وإن ذلك كان يهدف إلى إعاقة الخطوة التي كان الحزب بصدد القيام بها وهي نقل الإمكانات الثورية إلى الشمال والبدء بعد ذلك بالعمل المسلح. كانت القوى الرجعية الكردية والاشتراكية الشوفينية تعمل جاهدة لإبعاد الحزب عن أولوياته وإشغاله بأمور ثانوية ومعارك جانبية لا تخدم سوى أعداء القضية إلا أن حزبنا كان يقظا وتصرف بعقل سليم وبذلك تجاوز كل المضايقات التي كانت تثيرها القوى السالفة الذكر وكان الحزب واثقا أن أنسب أنواع الانتقام لأولئك الرفاق هو تطوير العمل المسلح في الشمال وقد حصل ذلك واستقبلته جماهيرنا كبشائر النصر والانعتاق وبذلك تم تحقيق أماني الشهداء الذين منعتهم أيدي الغدر من المشاركة فيه.
4- من الأهمية بمكان إجراء تقييم صحيح للأعمال الفدائية السامية التي قام بها رفاقنا وجماهيرنا في إطار التصدي للمؤامرة الدولية التي استهدفت قائدنا الوطني ووجود شعبنا، نحن هنا أمام إقدام على عمل تكون فيه نسبة احتمال الموت مائة بالمائة؛ رفاق ورفيقات في مقتبل العمر يلفون أجسادهم الشابة بالمتفجرات وينسفون بها مواقع الأعداء وآخرين يضرمون النار بأجسادهم تنديدا بالجرائم التي يقترفها الأعداء والمتحالفين معهم، يصرخون بشعار “أيها الوحوش سوف لن تعتموا شمسنا”. إن حركتنا ليست عبارة عن تنظيم أصولي أو إحدى الطرائق الدينية بل هي على العكس من ذلك، حركة اشتراكية علمية تتخذ من الفكر العلمي أساسا في نضالها، لهذا يبادر البعض ممن يجهلون حقائق حزبنا وشعبنا إلى السؤال: إذاً فماذا تعني هذه العمليات “الانتحارية”..؟ وما علاقة ذلك بالفكر العلمي..؟ لا نجد هنا مجالا إلا أن نرد عليهم بالسؤال التالي: إذا غابت الشمس هل ستستمر الحياة على سطح الكرة الأرضية..؟ فالقائد آبو يمثل الشمس التي تسطع في سماء الوطن، من خلاله تعرفنا على هويتنا الوطنية والاجتماعية ومنه علمنا قيمة الحرية، من خلال أفكاره تحولت الظلمة في وطننا إلى نور وبعد أن تعودت عيوننا على النور وبعد أن امتلأت قلوبنا بالشوق إلى الحرية، يحاول الأعداء إسقاطنا مرة أخرى إلى عالم الظلمات بالطبع لم يكن من الممكن أن يقف رفاقنا وشعبنا إزاء ذلك مكتوفي الأيدي وكانت العمليات الاستشهادية أوضح الطرق الرافضة للمؤامرة، تعبر عن رسالة مفادها إما أن نحيا أحرارا أو أن نموت وسوف لن نقبل أبدا ومهما كان بأقل من أن نحيا أحرار.
إن رفاقنا الذين ضحوا بحياتهم تصديا للمؤامرة الدولية كانوا يحاولون إظهار الحقيقة التالية للأعداء والأصدقاء معاً، وهي أن شعبنا من أجل انتزاع حقوقه وحريته مستعد لعمل كل شيء وتقديم كل التضحيات اللازمة، كلها على الإطلاق حتى وإن كلفه ذلك التضحية بحياته، وأنه مهما بلغت قوة وجبروت الأعداء فإنها ستبقى عاجزة عن إعاقة ذلك. وبالفعل فقد أصاب الأعداء الرعب والفزع تجاه آيات التضحية والفداء التي أظهرتها جماهيرنا وأدرك العالم كله أن الإمكانات المادية والتقنية الكبيرة التي يتمتع بها الأعداء تبقى عاجزة عن قتل أمل شعب في الحياة الحرة وقد ظهرت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك على شاشات التلفزة وقد أصابها الذهول لتصرح بأنها لم تكن تتوقع ردود أفعال بهذا الحجم. إن العمليات الاستشهادية كانت القوة الرادعة التي أفشلت مخططات العدو؛ كانت اللجام الذي منع العدو من التمادي في الاستمرار في سياسة الإبادة ضد شعبنا وطليعته النضالية المتمثلة بحزبنا. إزاء ذلك اضطر العدو مرة أخرى إلى إعادة النظر في حساباته، فلولا تلك العمليات لما تردد العدو لحظة واحدة في الإقدام على محاولة تصفية قيادتنا جسديا ولما تردد أيضا في القيام بتنفيذ المجازر ضد شعبنا مجترا بذلك تاريخه الدموي ولولا تلك العمليات لما تمكنت حركتنا من صيانة وحدتها ووجودها في مواجهة إحدى أكبر المؤامرات التي شهدها التاريخ المعاصر. وكانت بذلك الدرع الواقي لكل قيمنا الوطنية والإنسانية، وأظهر بذلك شعبنا بشكل واضح ولكل العالم أنه مؤهل لأن يعيش حرا في وسط ينعم بأسمى أنواع المساواة والعدالة الاجتماعية. إن من حقه أن ينعم بالحرية لأنه مستعد لدفع كل ما يترتب عليه القيام به من أجل ذلك حتى القيام بالعمل الفدائي الذي تكون نتائجه معروفة مسبقا، لأنه لا بديل للحرية.
5- نحن حركة تتحمل مهام ومسؤوليات تاريخية، مرتبطين بوعود إيجاد الحلول للقضايا العالقة في حياة شعبنا وخاصة القضايا الديمقراطية والوطنية، وللقيام بذلك ظل حزبنا سباقا في مجال ابتكار اصح الوسائل النضالية لحل هذه القضايا. وإننا حين نتحدث عن الحلول السلمية والمرحلة الديمقراطية فنحن على ثقة تامة بأننا عملنا ما فيه الكفاية لنقل النضال إلى هذه الأرضية الجديدة. وعندما نجد أن كل شيء حولنا يتغير، بل وإن نضالنا ذاته قد ساهم بشكل أساسي في إحداث هذه التغييرات وخاصة على المستوى الإقليمي والمحلي، سيكون حينها من غير المنطقي التصرف كما لو أن شيئا لم يحدث أو الإصرار على السلوك والاسلوب القديم، إن التغيير كان ضرورة موضوعية لابد من القيام به. وإن قيادتنا الوطنية بما تتمتع به من حكمة وبعد نظر وشجاعة تمكنت رغم كل العوائق والصعوبات من تحديد الوقت المناسب للإعلان عن ذلك بهدف صيانة مكاسب الثورة وحمايتها بالإضافة إلى توفير الأرضية الأنسب لتتطور عليها هذه المكاسب وتزداد شمولا حتى النصر النهائي. وعندما نتحدث عن المكاسب فإننا نعني ما تحقق من خلال الأعمال البطولية التي نفذها شهداء الثورة؛ ما تحقق من خلال الدماء الزكية التي أريقت على أرض الوطن. وبالتالي فإن افتتاح مرحلة جديدة من النضال يعد بنفس الوقت حرصنا على القيام بواجباتنا تجاه الشهداء. إذا كان اليوم عدونا يعترف وإن على مضض بوجود شعبنا، وإذا كانت اليوم جماهيرنا تنتفض في كل مكان، وإذا كان الواقع الكردستاني بفئاته الاجتماعية المختلفة يفصح عن هويته من خلال العديد من مؤسساته الوطنية والكثير من “المعجزات” التي تحققت فيعود في ذلك الفضل إلى أولئك الذي ضحوا بحياتهم في هذا الطريق. ونحن نجد أنفسنا أكثر من أي وقت مضى بأمس الحاجة إلى الإقتداء بالشهداء والسير بخطى ثابتة في الدرب الذي أناروه بدمائهم. فهم الماضي الذي نعتز ونفخر به والحاضر الذي نعيشه من خلال تمثيل خصائصهم النضالية على أكمل وجه، وهم ضمان مستقبل حر وديمقراطي لشعبنا، ونحن إذ نحيي ذكرى شهداء ثورتنا نتوجه بالتحية والاحترام إلى كل عوائل الشهداء في الشمال والجنوب الغربي والجنوب والشرق من وطننا وفي المهجر ونعدهم وعد الأحرار بأن الرايات التي تركها أبناؤهم وبناتهم البررة ما تزال وستبقى مرفوعة خفاقة والنضال مستمر.